مستقبل سوريا المجهول- تحديات ما بعد الأسد وفرص الاستقرار
المؤلف: عبدالرحمن الطريري10.30.2025

لم يعد الحديث عن سقوط نظام الأسد يشكل محوراً أساسياً في التحليلات السياسية الراهنة، بل تحول إلى فصل من الماضي، قد يسجل لاحقاً بوصفه أغلى ثمن لـ"عدم الإصغاء"، وذلك حينما أصرّ الأسد على تجاهل الدعوات إلى الحوار والمصالحة مع الأطراف المعنية، بالتزامن مع عدم استيعابه لتداعيات الأحداث المتسارعة، بدءاً من التطورات في غزة وما أسفرت عنه من إضعاف لقدرات حزب الله، وصولاً إلى تطلعات روسيا لتكرار سيناريو تدخلها العسكري عام 2015، مع إغفال الآثار المترتبة على الحربين الإسرائيلية والأوكرانية على كل من روسيا وإسرائيل على التوالي.
إن المستقبل المجهول لسورية، وما يكتنفه من تحديات، يثير قلقاً بالغاً. فالتحرك المباغت لقوات المعارضة المسلحة، تحت مسمى "هيئة تحرير الشام"، ووصولها إلى مشارف دمشق معلنةً سقوط نظام الأسد، يمثل تحولاً دراماتيكياً. هذه القوات، المنبثقة من رحم جبهة النصرة، قد غيّرت خطابها بشكل ملحوظ، مؤكدةً على تجنب الممارسات الطائفية التي تستهدف المراقد الشيعية على وجه الخصوص، والتأكيد على التعامل المتسامح مع المسيحيين وباقي المكونات الدينية والإثنية في المدن المتنوعة كحمص.
وقد صدرت العديد من الإشارات الإيجابية من الجولاني، أحد قادة "هيئة تحرير الشام"، بما في ذلك دعوته لرئيس الوزراء في الحكومة المستقيلة إلى الاستمرار في تصريف الأعمال، وهو ما يعكس استيعاباً للدروس السابقة، حيث فشلت الإدارات المحلية التابعة للمعارضة في تسيير شؤون بعض المحافظات لسنوات. ومع ذلك، يبقى التساؤل قائماً حول ما إذا كانت أفعال هذه القوات ستتماشى مع خطابها المعلن، أم أن الوضع سيتغير بشكل جذري بعد انتهاء العمليات العسكرية.
وثمة سؤال آخر يفرض نفسه بإلحاح، وهو إلى أي مدى ستلتزم هذه القوات بعدم الانخراط في مواجهات مع القوات الكردية، التي تعرف بـ"قوات سورية الديمقراطية" (قسد)، خاصةً إذا ما سعت تركيا، الداعمة لـ"هتش"، إلى إقامة شريط حدودي عازل بين الأراضي التركية والمناطق ذات الغالبية الكردية. وهل ستقدم الولايات المتحدة الأمريكية الدعم اللازم للأكراد في مواجهة قوات مدعومة من دولة عضو في حلف شمال الأطلسي (الناتو)، أم سيتذكر الأكراد مقولة الرئيس المصري الراحل حسني مبارك، بأن "المتغطي بالأمريكان عريان".
أما على صعيد دول الجوار، فقد بادرت كل من العراق والأردن إلى تعزيز وتأمين حدودهما المشتركة مع سورية. ومع ذلك، اضطر العراق إلى استقبال عناصر منشقّة من الجيش السوري، ممّن ارتأوا عدم جدوى الاستمرار في القتال. وبشكل عام، فإن عدم الاستقرار السياسي في سورية، والذي يستند بشكل أساسي إلى غياب المشاركة الجامعة، سيؤدي حتماً إلى تفاقم أزمة اللاجئين، خاصةً وأن سورية تعاني أصلاً من أزمات غذائية حادة قبل سقوط نظام الأسد. وبالطبع، لن تقتصر مشكلة اللجوء على دول الجوار، بل ستطال أوروبا وتركيا، اللتين اختبرتا تبعات هذه الأزمة بشكل مباشر، حيث لم تتوقف ارتداداتها وتداعياتها إلا في ألمانيا.
وعلى الجانب الإسرائيلي، فقد توغل الجيش الإسرائيلي داخل الجولان، ولا يزال من غير الواضح ما إذا كان ذلك يعكس مجرد مخاوف للحفاظ على أمن الجولان المحتل، أم أنه يمثل شهية مفتوحة لاقتطاع المزيد من الأراضي السورية. ومما لا شك فيه أن صانع القرار في تل أبيب لا يعتبر "هيئة تحرير الشام" الجار الأمثل الذي قد يتمناه، ولم يتضح بعد، وبشكل قاطع، في مناطق شيعية محددة في سورية، ما إذا كان حزب الله سيعود وينخرط في اشتباكات مع هذه القوات، أم أن انسحابه سيكون نهائياً ولا رجعة فيه.
اليوم، لا يوجد في سورية ما هو أهم من استخلاص العبر من تجارب الآخرين، فالحكمة تغيب في زمن الصراعات والنزاعات المسلحة، وهي ليست صاخبة كالشعارات الديماغوجية التي لا تسمن ولا تغني من جوع، ولكن غالباً ما يعقب الطمع الندم. فالتاريخ يعج بالدروس والعبر، بدءاً من تلك اللحظات التي تقاتل فيها المنتصرون على الغنائم قبل تحقيق النصر الفعلي، وصولاً إلى الخسارة الكاملة، كما حدث في النموذج الأفغاني، حينما تم إخراج القوات السوفيتة، ثم انخرطت الفصائل الأفغانية في اقتتال داخلي مرير، إلى أن ظهرت حركة طالبان من العدم واستولت على السلطة. والنموذج السوداني الحالي يعد مؤلماً أيضاً. إن شعار "كلنا رابح" هو ترياق النجاة، وليس الانخراط في حماقة "من يكسب أكثر".
فسورية بلد زاخر بالخيرات، سواء على مستوى الثروة النفطية أو الزراعية والحيوانية، وهو بلد معروف بتطور صناعاته اليدوية، وبالطبع بحضارته العريقة الضاربة في أعماق التاريخ، والتي تشكل أحد عوامل الجذب السياحي الهامة، بالإضافة إلى موقعه الاستراتيجي المطل على البحر الأبيض المتوسط. كل هذه المقومات تمثل فرصة سانحة، ولكنها أيضاً قد تحول سورية إلى فريسة سهلة.
إن المستقبل المجهول لسورية، وما يكتنفه من تحديات، يثير قلقاً بالغاً. فالتحرك المباغت لقوات المعارضة المسلحة، تحت مسمى "هيئة تحرير الشام"، ووصولها إلى مشارف دمشق معلنةً سقوط نظام الأسد، يمثل تحولاً دراماتيكياً. هذه القوات، المنبثقة من رحم جبهة النصرة، قد غيّرت خطابها بشكل ملحوظ، مؤكدةً على تجنب الممارسات الطائفية التي تستهدف المراقد الشيعية على وجه الخصوص، والتأكيد على التعامل المتسامح مع المسيحيين وباقي المكونات الدينية والإثنية في المدن المتنوعة كحمص.
وقد صدرت العديد من الإشارات الإيجابية من الجولاني، أحد قادة "هيئة تحرير الشام"، بما في ذلك دعوته لرئيس الوزراء في الحكومة المستقيلة إلى الاستمرار في تصريف الأعمال، وهو ما يعكس استيعاباً للدروس السابقة، حيث فشلت الإدارات المحلية التابعة للمعارضة في تسيير شؤون بعض المحافظات لسنوات. ومع ذلك، يبقى التساؤل قائماً حول ما إذا كانت أفعال هذه القوات ستتماشى مع خطابها المعلن، أم أن الوضع سيتغير بشكل جذري بعد انتهاء العمليات العسكرية.
وثمة سؤال آخر يفرض نفسه بإلحاح، وهو إلى أي مدى ستلتزم هذه القوات بعدم الانخراط في مواجهات مع القوات الكردية، التي تعرف بـ"قوات سورية الديمقراطية" (قسد)، خاصةً إذا ما سعت تركيا، الداعمة لـ"هتش"، إلى إقامة شريط حدودي عازل بين الأراضي التركية والمناطق ذات الغالبية الكردية. وهل ستقدم الولايات المتحدة الأمريكية الدعم اللازم للأكراد في مواجهة قوات مدعومة من دولة عضو في حلف شمال الأطلسي (الناتو)، أم سيتذكر الأكراد مقولة الرئيس المصري الراحل حسني مبارك، بأن "المتغطي بالأمريكان عريان".
أما على صعيد دول الجوار، فقد بادرت كل من العراق والأردن إلى تعزيز وتأمين حدودهما المشتركة مع سورية. ومع ذلك، اضطر العراق إلى استقبال عناصر منشقّة من الجيش السوري، ممّن ارتأوا عدم جدوى الاستمرار في القتال. وبشكل عام، فإن عدم الاستقرار السياسي في سورية، والذي يستند بشكل أساسي إلى غياب المشاركة الجامعة، سيؤدي حتماً إلى تفاقم أزمة اللاجئين، خاصةً وأن سورية تعاني أصلاً من أزمات غذائية حادة قبل سقوط نظام الأسد. وبالطبع، لن تقتصر مشكلة اللجوء على دول الجوار، بل ستطال أوروبا وتركيا، اللتين اختبرتا تبعات هذه الأزمة بشكل مباشر، حيث لم تتوقف ارتداداتها وتداعياتها إلا في ألمانيا.
وعلى الجانب الإسرائيلي، فقد توغل الجيش الإسرائيلي داخل الجولان، ولا يزال من غير الواضح ما إذا كان ذلك يعكس مجرد مخاوف للحفاظ على أمن الجولان المحتل، أم أنه يمثل شهية مفتوحة لاقتطاع المزيد من الأراضي السورية. ومما لا شك فيه أن صانع القرار في تل أبيب لا يعتبر "هيئة تحرير الشام" الجار الأمثل الذي قد يتمناه، ولم يتضح بعد، وبشكل قاطع، في مناطق شيعية محددة في سورية، ما إذا كان حزب الله سيعود وينخرط في اشتباكات مع هذه القوات، أم أن انسحابه سيكون نهائياً ولا رجعة فيه.
اليوم، لا يوجد في سورية ما هو أهم من استخلاص العبر من تجارب الآخرين، فالحكمة تغيب في زمن الصراعات والنزاعات المسلحة، وهي ليست صاخبة كالشعارات الديماغوجية التي لا تسمن ولا تغني من جوع، ولكن غالباً ما يعقب الطمع الندم. فالتاريخ يعج بالدروس والعبر، بدءاً من تلك اللحظات التي تقاتل فيها المنتصرون على الغنائم قبل تحقيق النصر الفعلي، وصولاً إلى الخسارة الكاملة، كما حدث في النموذج الأفغاني، حينما تم إخراج القوات السوفيتة، ثم انخرطت الفصائل الأفغانية في اقتتال داخلي مرير، إلى أن ظهرت حركة طالبان من العدم واستولت على السلطة. والنموذج السوداني الحالي يعد مؤلماً أيضاً. إن شعار "كلنا رابح" هو ترياق النجاة، وليس الانخراط في حماقة "من يكسب أكثر".
فسورية بلد زاخر بالخيرات، سواء على مستوى الثروة النفطية أو الزراعية والحيوانية، وهو بلد معروف بتطور صناعاته اليدوية، وبالطبع بحضارته العريقة الضاربة في أعماق التاريخ، والتي تشكل أحد عوامل الجذب السياحي الهامة، بالإضافة إلى موقعه الاستراتيجي المطل على البحر الأبيض المتوسط. كل هذه المقومات تمثل فرصة سانحة، ولكنها أيضاً قد تحول سورية إلى فريسة سهلة.
